اي كتاب "لبن جولديكر" يجب ان تقرأه !!!
انتهييت هذا الأسبوع من التهام كتابه الثاني " الفارما الزائفة: كيف تضلل شركات الدواء الأطباء و تضر المرضى ". مؤلف هذا الكتاب هو "بن جولديكر" ، الطبيب والكاتب و الصحفي صاحب " العمود الشهير " العلم الزائف" في صحيفة الجارديان ، و صاحب الكتاب الاعلى مبيعا " العلم الزائف " في بريطانيا في ٢٠٠٨ .
نشر الكتاب في سبتمبر ٢٠١٢ ، وعدد صفحاته الورقية ٤٤٨ صفحة، ويتكون من مقدمة، و ٦ فصول ( ١- بيانات منقوصة، ٢- من اين تأتي الأدوية الحديدة، ٣- الجهات الرقابية الفاسدة، ٤-التجارب الفاسدة، ٥- التجارب ذات العينات الكبيرة و الصغيرة، ٦- التسويق ) و كلمة إضافية بعنوان البيانات الأفضل ، و معجم مصطلحات صغير.
يسلط الكتاب - وهو من وجهة نظري اكثر خطورة من " العلم الزائف" - الضوء على صناعة الادوية بوجه خاص، و لقد كاد قلبي ان يتوقف ذعرا عندما قرأت عبارته ان "الصرح الطبي باكمله معيوب لأن الأدلة التي يستند إليها مشوهة من قبل صناعة الأدوية التي لا توفر التمويل فقط لمعظم التجارب الاكلينيكية ، بل و تمول الدراسات والدورات العلمية للأطباء. ياللكارثة! الصرح الطبي بأكمله؟.
يبدأ الكاتب انتقاداته بفضح تجارب العديد من شركات الأدوية التي تمتنع عن نشر الدراسات التي لا تدعم نتائجها الادوية التي تنتجها ، و يكشف عن التلاعب في تصميم التجارب بما يضمن تحقيق نتائج إيجابية للشركة الراعية - مثل إعادة تحليل-البيانات الى حين التوصل الى بعض النتائج الفرعية العشوائية التي يمكن تسجيلها على انها ايجابية ، هذا الى جانب التجارب التي تعتمد على عينة صغيرة وغير تمثيلي بشكل جيد لمجتمع العينة. هذا الى جانب اخفاء البيانات التي تصعب من عمل اي جهة بحث مستقلة .
وعلى سبيل المثال تسببت احد ادوية القلب في قتل حوالي مائة الف شخص قبل ان تكشف احد التجارب المستقلة عن مدى المخاطر المرتبطة بهذا الدواء ، و لقد تم فرض عقوبات و تعويضات مالية كبيرة على العديد من أكبر شركات العالم للادوية (٣ مليار دولار على شركة جلاكسو سميث كلاين في يوليو، و ٢,٣ مليار على شركة فايزر في سبتمبر ٢٠٠٩، و الكثير غيرها.
واشار " جولديكر" الى المجلات والدوريات الطبية التي لا تراعي مصالح المرضى، وكذلك الجهات الرقابية الفاسدة التي لا تحاسب شركات الأدوية ، ولا تسمح بالكشف عن البيانات الى الجمهور حتى يتمكن الباحثين المستقلين من تحليل النتائج.
ناقش " جولديكر" أساليب التسويق التي تستخدمهاشركات الأدوية ، والتي تنفق عشرات المليارات من الدولارات سنويا، لاظهار منتجاتهم بصورة أفضل مما هي عليه فعليا لزيادة المبيعات، و انتقد شدة انحياز بعض الدوريات العلمية ضد مصالح المرضى تحت تأثير النفوذ المادي لشركات الأدوية
وكشف المؤلف عن فساد و عدم شفافية نظام التصريحات بإنتاج الأدوية في بريطانيا و طبيعة عمل هيئات الرقابة و الإشراف على الدواء بها. وعلى الرغم من ان هناك بعض المحاولات لمعالجة هذه المشاكل و التي صاحبت ما قام به الباحثون من كشف للنقاب عن مدى فداحة هذه المشاكل، فان كل هذه المحاولات لم تكن الا "إصلاحات وهمية"، على حد تعبير الكاتب.
و دعى الكاتب الى تكوين جماعات مصالح من المرضى و الأطباء و الهيئات المستقلة بل و بعض رجال الصناعة أنفسم للضغط على صناعة الأدوية من احل تحقيق مزيد من الشفافية و السماح لجهات مستقللة بدراسة تجاربهم .
و في النهاية ، يجب ان اعترف ان هذا كتاب مرعب ، وليس ممتعا ككتاب العلم الزائف ،وبه بعض التكرار ، و لكنه اكثر اتساقا و صرامة . و للاسف لدي مشكلة معه !! فبهجومه الشديد - و المدعم بحجج قوية دون شك- على صناعة الدواء و بالضرورة على مهنة الطب نفسها فتح دون ان يقصد بابا لخرافة الطب البديل ، والذي كان قد أغلقه بنفسه في كتابه السابق. و مع هذا فإنني انصح بقراءة الكتاب لاهمية هذا الموضوع و جمال اسلوب المؤلف.