الجمعة، 26 أغسطس 2016

" السلة" افضل من " الترولي" للتغلب على سحر كارفور


ريتشارد ثالير كان ليه كتاب مشهور اسمه Nudgeطرح فيه هو وزميله " كاس سوستين"  فكرة بسيطة مختصرها ان الناس عادة تختار المكاسب القريبة على حساب المكاسب البعيدة.  ولم تكن عبقرية الكتاب  في  الفكرة بالطبع لكن في تطبيقاتها العملية باستخدام مفاهيم علم النفس و الاقتصاد. و استهدفت التطبيقات تخفيض مستوى مقاومة الناس للتغيير ، و تقليل حدة المواجهة و الصدام معهم. 

الكتاب على سبيل المثال نصح الناس مدمنين الشراء او الذين يريدون تخفيض إنفاقهم ان لا يدخلوا السوبرماركت ومعهم " ترولي" و الأفضل استخدام " سلة" حيث ان كبر حجم الوعاء لا يظهر بشكل حقيقي مقدار ما يحتويه . و للسبب نفسه نصح بوضع أطباق صغيرة في حفلات " البوفيه المفتوح" لتقليل الفاقد .  

استفاد من أفكار الكتاب حكومات و شركات كبيرة اشتغلت على اُسلوب تحفيز الناس نحو السلوك المرغوب و البعد عن اُسلوب الأوامر . و في مصر مثلا يمكن للحكومة بدلا من رفع أسعار الكهرباء و المياه بتلك الصورة المتكررة،  تحقيق نفس الإيرادات بالتشجيع على ترشيد الاستهلاك  من خلال نظام للحوافز. مثلا يمكن مكافئة المستهلك المجتهد  بخصم ١٠٪  من  قيمة فاتورة استهلاكه  للكهرباء  في حالة عدم تجاوز الاستهلاك لمستوى معين ، او اذا نجح في تخفيض  ٢٥٪ من استهلاكه. 

والخلاصة مكافئة الناس على السلوك الإيجابي  لتحفيزهم على تبنيه و الاستمرار فيه اصبح ضرورة ملحة في رسم السياسات داخل الشركات و الحكومات بدلا من الشعارات و الأوامر .

الأحد، 21 أغسطس 2016

الوهم الساكن في أهل المحروسة


سألني احد الأصدقاء اليوم : " كيف يعتنق مثل صاحب هذه القامة الرفيعة هذا الوهم ؟ " ، فأخبرته انني سأجيبه على سؤاله من خلال " بوست" سانشره على صفحتي على الفايس بوك ، و ادعو الله ان يجدها كافية . 

لابد انك تلاحظ يا صديقي ، و انني لعلى يقين من ذكائك و قدرتك على الملاحظة و الاستبصار ، ان الكثير منا او معظمنا اذا اتخذنا قرارا او اعتنقنا رأيا  خطئا  او صوابا ،  نميل الى البحث عن الأشياء التي تدعم من صحته  و نعمل العقل في إيجاد كافة المبررات  التي تؤيده confirmation bias   ، و نتصرف بما ينسجم معه cognitive dissonance ، و ندافع عنه كلما استلزم الامر ذلك . و كلما اتينا بدليل جديد او قمنا بفعل ما، يزداد ايماننا و تمسكنا بهذا الرأي  يوما بعد يوم. يسمى هذا في علم النفس مبدأ الالتزام و الاتساق  commitment and consistency

هكذا يتمسك  الشخص بالأوهام  التي لا يقبلها عاقل و لا حتى مجنون  حيث يتغذى ذلك الوهم تلقائيا على ما يقوم به من اعمال اتساقا معه،  وبذلك    يصبح الوهم   جزء من حياته  ، و يصبح الإبقاء عليه جزءا من نظرته الى ذاته و نظرة ما يحيط به من دوائر اجتماعية.  و هكذا يزداد الوهم قوة  تغذيه اعمالنا و مواقفنا التي نتخذها كل يوم  انسجاما معه.

  يمتلأ التاريخ بالكثير من الأمثلة على الحالات التي تمكن فيها الوهم من فئات من الناس كنت تحسبهم محصنين ضد هذا الهراء . ففي زمن الماكارثية الجديدة  عندما ساد الذعر من الشيوعيين   في الولايات المتحدة الامريكية كان المؤمنين  يتهمون اي شخص يرتابون فيه بانه شيوعي و ان اي عمل يقوم به  او كلمة يتلفظ بها الهدف منها تخريب أمريكا ، و كانت رقعة الاتهامات تتسع  يوما بعد يوم و قناعة الماكرثيين تزداد يوما بعد يوم بصحة مواقفهم .  و تجد ذلك واضحا ايضا عند هؤلاء  الذين يعتقدون ان اليهود وراء  كافة مشاكل العالم و انهم يدبرون مؤامرة كونية للسيطرة على أهل البسيطة و يتلاعبون بعقول أهل الارض .

باختصار ، يمكن لأي  وهم مهما خالف المنطق و الواقع ان يسيطر  على عقول المثقفين و الصفوة بنفس الدرجة التي يسيطر بها على عقول العامة بمجرد البدء في التصرف وفقا له ، حيث يخلق هذا نوع  من التعزيز الذاتي المستمر للحفاظ على الاتساق مع الذات .

هذا ما يحدث في  المحروسة ، فهل من علاج !!

السبت، 13 أغسطس 2016

شؤم " الربيع " على الثورات : ربيع الامم الأوربية


شهدت أوربا في عام ١٨٤٨ موجة من الثورات المتتالية التي بدأت في باريس  و انتشرت منها كالنار في الهشيم الى ميلان و فينسيا و فيينا لتشمل  باقي أوربا في شهور قليلة  ..  و لقد اسماها المؤرخون ثورات الربيع الأوربي ..
انطلقت هذه الثورات بشكل تلقائي دون قواد او زعماء او ايدولوجيا  من ورائها سعيا  وراء تحقيق العدالة الاجتماعية و المطالبة بالديمقراطية من خلال تغيير النظم الإقطاعية القائمة ..و كان العامل الأساسي في سرعة انتقال هذه الثورات هو " التكنولوجيا " حيث كان اختراع المحركات البخارية و ما تبعه من سرعة الانتقال اثرا كبيرا على نقل الأفكار ( مثل الانترنت في الربيع العربي ).
في اول انتخابات برلمانية لمعظم هذه الثورات اختارت  الشعوب  نوابها من اكثر الفئات رجعية و تحفظا ، و الذين  اعتبروا ان الليبراليين و القوميين هما الخطر الحقيقي على شعوب القارة   لدرجة ان احد " المؤرخين " بيير جوزيف برودون" وصف هذه الانتخابات  بأنها " كانت اقتراعا للثورة  المضادة"  ... وهذا يذكرنا بعبقرية الشعب المصري و التونسي الذين أتيا بالاسلاميين برلمانا و رئيسا في اول انتخابات اجراها الشعبان  بعد ثورتهما .
وبعد عام واحد فقط فشلت كل هذه الثورات و عادت كل النظم الملكية  الاستبدادية للحكم ..

نصيحة لأي شعوب ستقوم  بثورات جديدة لا تسموها  ربيعا أبدا .. انه و صف شؤم .

قرارات دينية كارثية على الحيوان و الانسان


رصد كهنة  الكنيسة الكاثوليكية في القرون الوسطى احد جماعات الهراطقة على انهم من عبدة الشيطان . و لاحظ بابا الكنيسة جريجوري التاسع آنذاك ان أعضاء هذه الجماعة يقبلون بُطُون قططهم دائما،و في احد خلواته استنتج ان الشيطان ياتي لهم في صورة القطط، و اصدر مرسوما مقدسا يعتبر القطط كائنا شيطانيا. و كانت الساحرات يحرقن مع قططهم لنفس السبب.

و عندما ظهر الطاعون الأسود في أوربا و الذي حصد حياة الملايين من البشر، تبنى الناس على الفور- تأثرا برأي قداسة البابا  - فكرة ان هذه القطط الشيطانية هي المسؤلة عن  ذلك الوباء من الطاعون ، و بدؤا في قتل و ذبح جميع القطط في أوربا بالملايين . و انتشرت الفئران و القوارض بشكل كبير  حاملة على ظهورها قمل و حشرات نقلت الوباء الى جميع الدور و المنازل في أنحاء أوربا  . و حصد ملك الموت ارواح الملايين من البشر و القطط.

ولعل هذا يذكرنا - بشكل ما - بقرارات التخلص من الدجاج و الخنازير في مصر في مواجهة إنفلونزا الطيور و الخنازير  ، و نتائجهما الكارثية

الجمعة، 12 أغسطس 2016

تصديق " الأبراج " و ظاهرة فورير"


التنجيم خرافة . هذا امر لاشك فيه، لكن الكثير من الناس يؤكدون ان صفات مواليد الأبراج تنطبق على شخصياتهم تماما. و دعوني اعترف ، نعم هذا حقيقي ، فجميعنا شعر في احيان كثيرة بذلك.

و يرجع علماء النفس تصديق الناس لهذه الخزعبلات الى ظاهرة تعرف باسم تأثير فورير Forer Effect  ، و هي تعني ميل معظم  الناس  لتصديق عبارات عامة تنطبق على قطاع و اسع من الناس و اعتبارها انها كتبت خصيصا من اجلهم ، خاصة اذا كانت هذه العبارات إيجابية ، مثل ( انت تتحمل المسؤلية بكل جدية لكن احيانا تشعر ان ما تحمله فوق طاقتك).
و كان اول من كشف النقاب عن هذه الظاهرة عالم النفس الاجتماعي بيرترام فورير،والذي اجرى تجربة هامة في  أواخر الأربعينيات من القرن الماضي على مجموعة من طلبة علم النفس، حيث  طلب منهم ملأ نموذج لإختبار الشخصية ، وبعد إنقضاء مدة أسبوع سلم (فورير) كل تلميذ توصيفاً لشخصيته أعده دون ان ينظر الى إجابتهم.  ثم طلب منهم تقييم دقة توصيفه لشخصياتهم ، فقيم كل تلميذ تقريباً توصيف شخصيته على أنه "دقيق للغاية ".

في الواقع جرى تسليم كل تلميذ نفس نص التوصيف بالضبط ، حيث انتقى (فورير) ببساطة بعض التعابير العامة مثل : " انت اجتماعي لكن في احيانا كثيرة تكون خجولا " و " كثيرا ما تنتقد نفسك  " وهي عبارات كان قد استعارها من كتب التنجيم (والأبراج) فألصقها معأً في التوصيف الموحد والمقدم  للتلاميذ.و تسمى هذه الظاهرة ايضا بتأثير بارنوم ، و هو احد مشاهير  عالم السيرك و صاحب عبارة " يولد في العالم ساذج suckers كل دقيقة يصدق ما نقوله.
و خلاصة القول هنا :  ان  قولك ان هذا صحيحا -حتى و لو كان على شخصيتك - ليس دليل صحة (Self-validation isn't a validation)

و نصحيتي لك  إلقِ بكتب الأبراج في سلة النفايات  حيث كذب المنجمون و لو صدفوا".

الأحد، 7 أغسطس 2016

نصائح سريعة للام المصرية اللتي تطارد صغارها حتى يأكلوا


١- لا تستخدمي الطعام  كوسيلة ثواب :  "اذا حصلت على عشرة من عشرة في مادة الحساب  سأحضر لك آيس كريم "
 ٢- لا تستخدمي الطعام كوسيلة عقاب : اذا لم تأكل طبق السلطة كله  لن تشاهد    التلفزيون اليوم .
٣- لا تستخدم الطعام كوسيلة  لتحسين المزاج : كل  طبق البسبوسة بالقشطة ده و   سوف تنسى  قرف المدرسة .
٤- لا تستخدم الطعام  كوسيلة للشعور بالذنب :  لا تترك  بقايا  طعام في طبقك  حتى لا يأكل  منها الشيطان او ان هناك ملايين من الجوعى يتمنون ما تجده.

و اخيراً يا امهات مصر  اللاتي يحسبن ان اولادهم لا ياكلون - دون سواهم - فأين تذهب أطنان الطعام ، و من أين أتى هؤلاء البغال من حولنا ذوو احلام العصافير .

قراءة في كتاب"اختبار الشخصية السيكوباتية: رحلة في صناعة الجنون"


هذا الكتاب و عنوانه The psychopath Test: A journey through the madness Industry كتاب شيق للغاية ،  كانك تقرأ قصة مثيرة تدور حول رحلة صحفية قام بها الصحفي الانجليزي الشهير و مخرج الأفلام الوثائقية Jon Ronson داخل مستشفيات الأمراض العقلية و في دوائر النفوذ السياسية و الاقتصادية في امريكا و انجلترا ليلقي الضوء على المنطقة الرمادية بين الجنون و العقل و خاصة فيما يتعلق بالشخصيات السيكوباتية.

بدأت الرحلة ، او القصة لو احببت، بزيارة "جون"   مصحة برودمور بنيويورك ، و هي مستشفى للمجرمين الذين ارتكبوا جرائمهم تحت تأثير أمراض عقلية، للقاء " توني" احد نزلائها.وأخبره  توني انه ادعى أعراض الجنون ليهرب من حكم بسجنه ، و لكنه اصبح أسيرا في هذا المكان بعدما فشل بكل الطرق في إثبات انه عاقل.

كانت كل الدلائل تشير الى انه عاقل، الا ان احد الأطباء النفسيين اخبر جون أنهم مقتنعون فعلا بانه ادعى الجنون لكن الفحوصات كشفت عن انه شخصية سيكوباتية، وفقا  لقائمة قياس  انحراف الشخصية السيكوباتية PCL التي تضم ٢٠ بندا ، و التي اخترعها عالم النفس الكندي الشهير Robert Hare في السبعينات لتقييم حالات الشخصية السيكوباتية حسب درجات تحدد لكل بند .scoring 

قرر جون دراسة هذه القائمة ليكتسب المهارات اللازمة للتعرف على الشخصيات السيكوباتية ، و بدا خطوته الثانية في رحلته مسلحا بالتأهيل الكافي و العلم اللازم للكشف عن تلك الأشخاص في عالم الاعمال و السياسة حيث اخبره علماء النفس ان الكثير من المشاهير هناك يتمتعون بكافة سمات الشخصية السيكوباتية و تغيب عن قلوبهم آية رحمة او تعاطف تجاه اخوانهم من البشر. و لقد قابل جون شخصيات كثيرة كشفت جميعها عّن سمات الشخصية السيكوباتية  لكنه لاحظ بعد فترة انه اصبح يرصد ملامح هذه الشخصية بين أصدقائه و زملائه و أهله و في كل مكان.

و هنا استيقظ جون من هول الحقيقة، ليكتشف انه و العديد من الصحفيين  و الأطباء النفسانيين و شركات الأدوية وو سائل الاعلام أصبحوا  يحبون بل يعشقون ان يروا المرض النفسي في كل الأشخاص حولهم . أصبحوا جميعا يتوسعون في وصف الأمراض النفسية و ادراجها لدرجة ان دليل الأمراض النفسية DSM للجمعية الامريكية للامراض النفسية تضاعف حجمه اربع مرات من الخمسينات من القرن حتى الألفين ليصل الى ٨٠٠ صفحة و ليشمل حوالي ٣٧٤ اضطرابا نفسيا. و بات الأطباء يشخصون حتى الأطفال في سن ٤ سنوات بأنهم يعانون من اضطراب المزاج الثنائيbipolar .

الحقيقة المؤلمة كما استنتج جون رونسون هي ان الطب النفسي و صناعته قد توسع ليضم الأشخاص الذين تظهر شخصياتهم اختلافات بسيطة عن السلوك الطبيعي بل و يمكن القول ان هناك منطقة رمادية بين الجنون و العقل قد نمر بها جميعا استولى عليها الطب النفسي.