دعوني اعترف لكم : نعم انا اكذب احيانا ...نعم انا اسرق ! انا أُحمْل كتبا سهر عليها مؤلفوها ليل نهار . انا اسرق جهدهم بدم بارد. مع هذا، مستحيل ان اسرق نفس الكتاب " ورقيا" من المكتبة .انا اسرق مكان عملي فاطبع مقالة علمية اعجبتني مستغلا طابعة " العمل" ، لكني مستحيل ان اسرق مبلغا من المال بنفس القيمة ( ٣جنيه) لطباعةنفس المقالة في المكتبة المجاورة .انا اسرق حين اقتنص من وقت العمل وقتا لقراءة كتبي ، نعم انا احيانا اكتب أوراقي الخاصة بأقلام العمل ، و قد آخذ قلما منهم الى منزلي ، و لكنني كما تعرفون اقطع رقبة ابني اذا سرق من زميله قلما.
هل انا مجرم و غشاش . نعم .لا ( بصوت ضعيف شوية) .فانا لازلت اعتبر نفسي أمينا و لازلت احمل " لذاتي" قدرا لابأس به من الاحترام عندما انظر الي نفسي في المرآة.
هذا الموضوع الشائك الجميل كان موضع تجارب و أبحاث الدكتور "دان اريلي" Dan Ariely استاذ علم النفس و الاقتصاد السلوكي في جامعة دوك الامريكية في كتابه الجميل ( The honest truth about Dishonesty) ،و الذي احتل هو و كتابيه السابقين قائمة النيويورك تايمز للكتب الأكثر مبيعا في الولايات المتحدة الامريكية (توقع اللاعقلاني ) و ( الجانب الإيجابي للا عقلانية ). و لقد صدر هذا الكتاب (٣٠٤ صفحة) في عام ٢٠١٢ ، و يتضمن ١٢ فصلا مع المقدمة ، و اعتمد دان اريلي و زملائه من جامعة هارفاد و يال و على عدد ضخم من التجارب النفسية بدأها بعدد من طلبة الجامعة ثم اتسعت لتضم الجمهور، و لقد خلص الكتاب بناءا على هذه التجارب الى :
١- ان معظم الناس ( ٨٣ ٪) اذا اتيحت لهم الفرصة قد يغشون ( ويشمل ذلك الكذب او السرقة وما يخالف قناعاتك الاخلاقي)في مقابل الحصول على أشياء صغيرة.لكن كلما كبرت "هذه الأشياء "انخفضت اعداد الذين يقومون بالغش ( قد ياخد معظمنا "قلما" من مكتبه لكن القلة هي التي قد تاخذ صندوقا به "علبة اقلام و دباسة و ورزمة أوراق" )، و لكنك ستجد بالطبع من يسعد بسرقة كافة الأدوات المكتبية .. و لكنني هنا اتحدث عن توزيع النسب فقط
٢- عندما تبتعد المسافة بين الغش (شاملا السرقة و الكذب و غيره) وبين عنصر المال في صورته المادية المعروفة ( كاش) تزداد احتمالات حالات الغش ( في تجربة على طلبة جامعة يال وضع في حجرات الطلبة ثلاجة بها زجاجات كوكاكولا و صندوق به دولارات لا تستطيع ان تأخذ منه الا دولار واحد ( ثمن زجاجة) لوحظ ان اكثر الطلبة اخذوا كوكاكولا ( دون دفع ثمنها) بينما تعففوا من مد أيديهم لياخذوا دولارا و الذي يساوي في قيمته ثمن الزجاجة ) .. و لوحظ ايضازيادة السرقات المتعلقة بالأسهم و السندات ، و هي بالملايين ، وو يتعفف مرتكبوها في ذات الوقت عن سرقة نفس المبالغ كاش من الشركة ...و تبدو الجرائم الرقمية حتى و لو كانت سرقة لحسابات مصرفية اخف على النفس من السرقة المباشرة و الأمثلة البارزة من العقد الماضي شملت فضائح في شركة إنرون، وورلد كوم، برنارد مادوف الاستثمارية للأوراق المالية، هاليبرتون، ومجموعة البنوك في الأزمة المالية في عام 2008.
٣ - في حالة تعارض المصالح يزداد احتمال الغش، و قد ظهر ذلك في حالات الكثير من الأطباء الذين تدعوهم شركات الدواء لالقاء كلمات او محاضرات بسيطة.
٤- في حالة ارتفاع مستوى العبقرية و الإبداع ترتفع حالات الغش لان مقدرة هؤلاء الناس على تبرير أعمالهم و اعطاءهامشروعية عالية للغاية ، فيظل قادرًا على الاحتفاظ باحترامه لذاته و كبرياءه.
٥- في حالات الإرهاق النفسي و الانشغال تزداد احتمالات قيام الناس بالغش او مخالفة مبادئه، الاخلاقية حيث تضعف قبضة سيطرتهم العقلانية على رغباتهم الشخصية الانانية.
٦-الأساس العقلاني المعتمد على تحليل المنافع و التكاليف ( او ما يسمونه ( SMRM: standard model of rational crime ) و هي نوع من الموازنة بين المكاسب التي تحققها مطروحا منها " احتمالية ان يكتشف امرك + العقوبة المترتبة ليس كافيا لتفسير الانحراف فهناك معايير و احكام و دوافع اخر تحكم سلوكنا في إطار نموذج جديد يطرحه علماء النفس الإدراكي و الاقتصاد السلوكي.
و خلاصة نتائج اريلي حيث لا اريد ان افسد عليكم القراءة ان معظمنا عادة ما يكون ممزقا بين اثنين من الدوافع المتضاربة: الرغبة في المضي قدما و تحقيق أهدافنا و إشباع احتياجاتنا عن طريق الغش و الخداع و خيانة التزاماتنا الاخلاقية من ناحية، و الرغبة مع ذلك في أن نحتفظ باحترامنا لانفسنا و اننا لا زلنا شرفاء . و قد نحاول الحصول على أفضل ما في الجانبين و ذلك من خلال حيل كثيرة لخداع الذات و اضفاء التبرير العقلاني على افعالنا، و الناس تختلف في درجات الغش حيث يعتمد الامر على نوع من التفاوض و اعتمادا على اي جانب ستقدم تنازلات ) ، و على هذا الأساس تزداد حالات الغش و التدليس و الخداع او تقل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق