الأحد، 12 يونيو 2016

افة مجتمعنا الاستقطاب


قام عالم نفس اجتماعي شهير بجامعة ستانفورد اسمه "لي روس "مهتم بعلم نفس فض المنازعات بأخذ عدد من مقترحات السلام التي أعدها المفاوض الاسرائيلي ، و عرضها ، على انها مقترحات المفاوض الفلسطيني، على عدد  من المواطنين العاديين في اسرائيل لاستطلاع رأيهم فرفضوها جميعا. و ده معناه بكل وضوح ان الرفض سببه ان المقترحات أتت من " الطرف الاخر". 

وده بيوضح مدي صعوبة التفاوض و تحقيق السلام بين الطرفين، فاذا كانت " مقترحاتك " لاتحظى بقبول الطرف الذي تنتمي ليه لمجرد قولك انها " من الطرف الاخر" ، فما بالك بمقترحات السلام  المقدمة فعلا من الطرف الاخر .الغريب بقى ان كل طرف حاسس انه موضوعي في حكمه و ان التاني هو اللي عنده انحيازات في فكره و عايز مصلحته و بس.
و ده نفسه اللي حاصل في مجتمعنا ،فلم نعد قادرين على التحاور بسبب توصيفات - بل وصمات-  وضعناها لانفسنا بين اخواني وعلماني و سيساوي و مرساوي و إسلامجي و نصراني. 

متى نفيق من غفوتنا، و ما هو سبيلنا للقضاء على الاستقطاب و التمييز في مجتمعنا؟

قراءة في كتاب The Honest Truth about dishonesty لدان اريلي



دعوني اعترف لكم : نعم انا اكذب احيانا ...نعم انا اسرق ! انا أُحمْل كتبا سهر عليها مؤلفوها ليل نهار . انا اسرق جهدهم بدم  بارد. مع هذا، مستحيل ان اسرق نفس الكتاب " ورقيا"  من  المكتبة .انا اسرق مكان عملي فاطبع مقالة علمية اعجبتني مستغلا طابعة " العمل" ، لكني مستحيل ان اسرق مبلغا من المال بنفس القيمة ( ٣جنيه) لطباعةنفس المقالة في المكتبة المجاورة .انا اسرق حين  اقتنص من وقت العمل وقتا لقراءة كتبي  ، نعم انا احيانا اكتب أوراقي الخاصة بأقلام العمل ، و قد آخذ قلما منهم الى منزلي ، و لكنني كما تعرفون اقطع رقبة ابني اذا سرق من زميله قلما.

هل انا مجرم و غشاش . نعم .لا ( بصوت ضعيف شوية) .فانا  لازلت  اعتبر نفسي أمينا و لازلت احمل " لذاتي" قدرا لابأس به من الاحترام  عندما انظر الي نفسي في المرآة.

هذا الموضوع الشائك الجميل كان موضع  تجارب و أبحاث الدكتور "دان اريلي" Dan Ariely استاذ علم النفس و الاقتصاد السلوكي في جامعة دوك الامريكية في كتابه الجميل  ( The honest truth about Dishonesty)   ،و الذي احتل هو  و كتابيه السابقين  قائمة النيويورك تايمز للكتب الأكثر مبيعا في الولايات المتحدة الامريكية  (توقع اللاعقلاني  )  و (   الجانب الإيجابي للا عقلانية ). و لقد صدر هذا الكتاب (٣٠٤ صفحة) في عام ٢٠١٢ ، و يتضمن  ١٢ فصلا مع المقدمة ، و اعتمد دان اريلي و زملائه من جامعة هارفاد و يال و على عدد ضخم من التجارب النفسية بدأها بعدد من طلبة الجامعة ثم اتسعت لتضم الجمهور، و لقد خلص الكتاب بناءا على هذه التجارب الى   :

١- ان معظم الناس ( ٨٣ ٪)  اذا اتيحت لهم الفرصة قد يغشون ( ويشمل ذلك الكذب او السرقة وما يخالف قناعاتك الاخلاقي)في مقابل الحصول على أشياء صغيرة.لكن كلما كبرت "هذه الأشياء "انخفضت اعداد الذين يقومون بالغش ( قد ياخد معظمنا  "قلما" من مكتبه لكن القلة  هي التي قد تاخذ صندوقا به "علبة اقلام و دباسة و ورزمة أوراق" )، و لكنك ستجد بالطبع من يسعد بسرقة كافة الأدوات المكتبية .. و لكنني هنا اتحدث عن توزيع النسب فقط
٢- عندما تبتعد المسافة بين الغش (شاملا السرقة و الكذب و غيره) وبين عنصر المال في صورته المادية المعروفة ( كاش) تزداد احتمالات حالات الغش ( في تجربة على طلبة جامعة يال وضع في حجرات الطلبة ثلاجة بها زجاجات كوكاكولا و صندوق به دولارات لا تستطيع ان تأخذ منه الا دولار واحد ( ثمن زجاجة) لوحظ ان اكثر الطلبة اخذوا كوكاكولا ( دون دفع ثمنها) بينما تعففوا من مد أيديهم  لياخذوا دولارا و الذي يساوي في قيمته ثمن الزجاجة ) .. و لوحظ ايضازيادة السرقات المتعلقة بالأسهم و السندات ، و هي بالملايين ، وو يتعفف مرتكبوها في ذات الوقت   عن سرقة نفس المبالغ كاش من الشركة ...و تبدو الجرائم الرقمية حتى و لو كانت سرقة لحسابات مصرفية اخف على النفس من السرقة المباشرة و الأمثلة البارزة من العقد الماضي شملت  فضائح في شركة إنرون، وورلد كوم، برنارد مادوف الاستثمارية للأوراق المالية، هاليبرتون، ومجموعة البنوك في الأزمة المالية في عام 2008.
٣ - في حالة تعارض المصالح يزداد احتمال الغش، و قد ظهر ذلك في حالات الكثير من الأطباء الذين تدعوهم شركات الدواء لالقاء كلمات او محاضرات بسيطة.
٤- في حالة ارتفاع مستوى العبقرية و الإبداع ترتفع حالات الغش لان مقدرة هؤلاء الناس على تبرير أعمالهم و اعطاءهامشروعية عالية للغاية ، فيظل قادرًا على الاحتفاظ باحترامه لذاته و كبرياءه.
٥- في حالات الإرهاق النفسي و الانشغال تزداد احتمالات قيام الناس بالغش او مخالفة مبادئه، الاخلاقية حيث تضعف قبضة سيطرتهم العقلانية على رغباتهم الشخصية الانانية.
٦-الأساس العقلاني المعتمد على تحليل المنافع و التكاليف ( او ما يسمونه  ( SMRM:  standard model of rational crime ) و هي  نوع من الموازنة بين المكاسب التي تحققها مطروحا منها " احتمالية ان يكتشف امرك + العقوبة المترتبة ليس كافيا لتفسير الانحراف فهناك معايير و احكام و دوافع اخر تحكم سلوكنا في إطار نموذج جديد يطرحه علماء النفس الإدراكي و الاقتصاد السلوكي.
و خلاصة نتائج اريلي حيث لا اريد ان افسد عليكم القراءة ان معظمنا عادة ما يكون ممزقا  بين اثنين من الدوافع المتضاربة:  الرغبة في المضي قدما و تحقيق أهدافنا و إشباع احتياجاتنا عن طريق الغش و الخداع و خيانة التزاماتنا الاخلاقية  من ناحية،   و الرغبة مع ذلك في  أن نحتفظ باحترامنا لانفسنا و اننا لا زلنا شرفاء . و قد نحاول الحصول على أفضل ما في الجانبين و ذلك من خلال حيل كثيرة لخداع الذات و اضفاء التبرير العقلاني على افعالنا، و الناس تختلف في درجات الغش حيث يعتمد الامر على نوع من التفاوض و اعتمادا على اي جانب ستقدم تنازلات ) ، و على هذا الأساس تزداد حالات الغش و التدليس و الخداع او تقل .

الأحد، 5 يونيو 2016

مشهد من الخيال العلمي في جمعة " الارض "


  صورة الشاب المصري  الذي كان يتظاهر  في " جمعة الارض هي العرض "على لوح التزلج  ذكرتني بمشهد مماثل في احد قصص الخيال العلمي لتظاهر شاب أمريكي وهو  "يرقص الباليه "   . كلاهما كان يتحرك بخفة كاسرا  حاجز الخوف و ممجدا للحرية .

جاء  هذا المشهد في قصة قصيرة اسمها  " هاريسون بيرجسون للأديب الامريكي الرائع كيرت فونكوت .
تقول القصة ، و هي من نوع أدب ال   Dystopia ، انه في عام ٢٠٨١ ، كان  النموذج " الطبيعي المقبول" للإنسان من وجهة نظر الجنرال الحاكم هو  "المعاق"،  فسن التشريعات التي تلزم كل شخص ارتفع ذكاءه عن المتوسط  بزرع جهاز صغير في أذنيه يصدر ضجيجا كلما حاول التفكير ، ويرتدي صاحب الوجه الحسن قناعا مخيفا يحجب ملامحه ، و يعلق صاحب الجسد الرشيق " كيسا"حول رقبته ليثقل من وزنه .

استخدم الجنرال الحاكم " الضوضاء " كاداة التحكم الرئيسية في شعبه ، فاذا  حاول احد من الناس التفكير تضرب أذنيه احد الأصوات  ،  و التي تتنوع بين زجاج يتكسر او سيارات تتصادم  او " سارينات" اسعاف .  
ويستعمل التلفزيون في غرس صورة "الطبيعي و المقبول"  في صدور الناس ، و الترهيب من العقاب الذي يلحق بكل شاذ يحيد عن ذلك .. هذا الى جانب الإلهاء و التسلية حتى بات  التلفزيون كأنه " بروزاك" مضاد الاكتئاب الشهير.
انصاع الجميع للحاكم الا ذلك الشاب الوحيد الذي كسر حاجز الخوف  ،و نزع اجهزة الضوضاء من أذنه و ألقى من على رقبته كيس الأثقال .

هرب الشاب ليرقص مع فتاة الباليه اثناء العرض التلفزيوني بعد ان نزع عن وجهها القناع  فظهر جمالهما الرائع و مدى رشاقة جسديهما .... رقصا الاثنان تمجيدا للحرية ...
لكنهم  قتلوهما ايضا على شاشة التلفاز  ..

الغريب ان  أمه التي شاهدت مشهد رقصه  و مقتله لم تعد تتذكره  على الرغم من حبات الدمع التي لازالت تجري من عيونها .. اما ابوه فقد منعه الضجيج من التفكير."