الأحد، 20 أغسطس 2017

مغالطة العَالٓم العادل The just world fallacy


"نحن شعب كسالى خانعون نستحق ما يحدث لنا" 
" فاز هذا الشاب بجائزة الحج لكثرة ما يفعله من خيرات "…
" ان كل ما تواجهه هذه المرأة من جفاء اولادها ليس الا عقابا على عدم برها هي شخصيا بأمها  ".

لابد انكم سمعتم هذه العبارات من قبل ،و رددتم مثيلاتها في مواقف كثيرة ، و هي تعكس نظرة الكثير منا الى هذا العالم .نحن نؤمن  ان ما نحصده هو من جنس اعمالنا، و ان الخير لا بد عائد لصحابه ، و ان الشر لا بد ان يصيب اهله في يوم من الأيام . اي ببساطة ان الشخص يلقى ما يستحقه.

و بحث هذه   الفكرة بشكل تجريبي موسع  عالم النفس الاجتماعي  الشهير ملڤين ليرنر Lerner بجامعة نيويورك ، حيث بدأ"  في سلسلة من التجارب   في سنه 1966 لقياس  مدي أعتقاد الناس بمفهوم العالم العادل، و ردود افعالهم تجاه " الضحية ". و كان أشهرها تلك التي  شملت  72 إمرأة جلسن يتابعن فتاة تجيب  على عدد من  الاسئلة و  مقابل كل اجابة خاطئة تتعرض البنت لصدمة  كهربائيه بسيطة . و يعد عمل لرنر، في الواقع ،  امتدادا بشكل او باخر  لتجربة ستانلي ميلجرام حول الطاعة.

 في ذات الوقت، قام لرنر  بتسجيل  ردود الافعال ،ولاحظ  ان أغلب النساء في بدايه التجربه كن متعاطفات مع البنت. لكن مع مرور الوقت بدئن في  تبرير ما يحدث  بعبارات مثل :  " تستحق هذا لأجابتها الخاطئة  " , او "العقوبة  هذه لصالحها كي تتعلم " ، و تفاصيل اخرى كشفت عنها التجربه .

 خلص لرنر من سلسلة تجاربه ، و التي نشر نتائجها في كتاب الرائع  ((The Belief in a Just World: A Fundamental Delusion، الى ما يسمى  بفرضية ( او مغالطة ) العالم العادل"، و التي بموجبها يؤمن الناس ايمانا قويا بان العالم مكان منطقي منتظم يمكن التنبؤ بنتائجه ، يتسم بالعدل و يلقى الناس ما يستحقونه .

و الشاهد ، وفقا للرنر ،ان  هذا الاعتقاد يلعب وظيفة هامة في حياة الناس حيث يضفي  معنى على حياتهم ،فلن تضيع أعمالهم هباءا ، و لا بد انها عائدة اليهم خيرا او شرا، كما انها تفسر وجود الشر في هذا العالم لان ما يحدث من شر او مصيبة لاحد الناس هو محصلة بعيدة لاحد أعماله . و لعل هذا المفهوم يذكرنا بفكرة الفيلسوف الألماني "ليبينتز" عن ان " العالم هو افضل عالم ممكن ".

و اذا كان لهذا التصور اثرا إيجابيا على حياة البشر ، فلا بد ان نقر جميعا ان هذا ليس الا مجرد وهم ، فالعالم ليس عادلا، و ان ما يقع من احداث لشخص ما ليست نتاجا  لأعماله لكنها حصاد عوامل معقدة كثيرة تجمعهما الصدفة في بوتقة واحدة .

و الحقيقة المرة ان فكرة "الايمان بعدالة العالم " عادة ما تحل محل "الالتزام الحقيقي بتحقيق العدالة " ، حيث يتم  التخلي عن المسؤولية الشخصية ، و التسليم و الركوع امام المصائب ، و اللامبالاة ازاء حالات الظلم. و في الحقيقة ان استقرار هذه الفهم من شأنه تأصيل الظلم في المجتماعات، و قبول حكم النظم الديكتاتورية.

ربما ان الاوان ان نمج حلاوة هذا الوهم ، و نعلم ان العدالة لن تحدث الا اذا سعينا لتحقيقها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق