الأربعاء، 16 نوفمبر 2016

علم صناعة الجهل Agnotology و العلاج ببول الإبل


ظهر مصطلح علم صناعة الجهل "agnotology" أول مرة في كتاب روبرت بروكتر استاذ تاريخ العلوم في جامعة ستانفورد  : "حروب السرطان: كيف تشكل السياسة ما نعرفه ولا نعرفه عن السرطان. وتشتق لفظة Agnotology  من كلمة agnosis،اليونانية  والتي تعني الجهل أو عدم المعرفة، و كلمة اونتولوجيا ومعناها طبيعة الوجود وغايته.

ويهدف هذا العلم الى دراسة الاعمال و الإجراءات المقصودة لنشر البلبلة والخداع  من اجل بيع منتج أو الترويج لفكرة او تحقيق مصلحة  او فوز سياسي، وذلك على أساس ان الجهل في كثير من الأحيان ليس مجرد غياب المعرفة ولكنه احد منتجات صراع سياسي و ثقافي.

وجاء اهتمام بروكتر بهذا الموضوع بعد الكشف  عن مذكرة سرية في ١٩٧٩  كانت قد أعدتها شركة براون ويليامسون للتبغ و السجائر حول الأساليب  التي تستخدمها شركات الدخان الكبرى لمواجهة "القوى المعادية للسجائر"، و التي كشفت بشكل جلي عن ان احد الأساليب الرئيسية للترويج هو التشكيك المستمر و بكافة الوسائل  في الحقائق العلمية المقدمة بما يؤدي الى ظهور حالة شديدة من الجدل و البلبلة التي تربك الناس و تفقدهم القدرة على تغيير عاداتهم و من ثم   الإقلاع عن  التدخين. 

و تنجح اليات نشر الجهل عندما يعاني المجتمع من أمية علمية بخصوص احد المفاهيم  الطبية او العلمية او غيرها ، وعندئذ تقوم  جماعات المصالح  - مثل الشركات او الجماعة سياسية - بخلق حالة من البلبلة حول هذه القضية. و يعتمد التكتيك الأساس على (١) الإشارة او الاعتماد على أوراق بحثية غير معتمدة و ما انزل الله بها من السلطان ، (٢) التشكيك و التعمية بخصوص اغلب المباحث و الوثائق العلمية المعتبرة التي ترفض طروحات جماعة المصالح ، (٣) خلق حالة من الجدل يتم التفرع فيها عن القضية الأصلية و الدخول الى قضايا فرعية جدلية تتعلق مثلا بالخلق و الحكمة الإلهية و "يخلق الله ما لا تعلمون " ، او هل يجوز للحكومات التدخل بالتنظيم في إطار الرأسمالية لاعمال حماية المناخ . و هكذا يتم التشعب في قضايا كبيرة تربك الناس و تفقدهم قدراتهم على الاختيارات السليمة و يصبحون أسيرين  للأفكار  المغلوطة .

وهناك أمثلة عديدة حول صناعة الجهل بهذ المعني في العالم ، فعلى سبيل المثال ، في امريكا مثلا قام معارضون اوباما بآثارة الشكوك حول قضية مضحكة للغاية وصدقها العديد من الناس حول جنسية الرئيس الامريكي باراك أوباما و ديانته حتى اضطر اوباما الى الكشف عن شهادة ميلاده في عام ٢٠١١ ليظهر انه ليس مسلما وانه أمريكيا. 
و لقد استخدمها مثلا في بريطانيا مجموعة من البلهاء قاموا بمعارضة   تطعيم الأطفال وربطه بالإصابة بمرض " التوحد" ، مشيرين دائما لورقة بحثية رفضها بالكامل المجتمع العلمي.

و في مصر وعالمنا العربي تم الترويج لموضوع العلاج ببول الإبل  من قبل جماعات تجارية تعتمد على تجارة الجمال و تربيتها و الترويج الى ألبانها ، و العمل على جذب الزبائن الى  مزارعهم المنتشرة في مرسى مطروح و مناطق اخرى ، و الذين اعتمدوا في حملاتهم على نفس الأساليب التي أوضحها بروكتر في أبحاثه ، و ذلك من خلال نشر الجهل بخصوص آلاف الأبحاث التي تثبت اضرار بول الابل و التشكيك في محتواها فضلا عن نشر أفكار و أوراق منسوبة لمعاهد علمية ما انزل الله بها من سلطان، و توظيف دعاة  يسعون الى الشهرة و المال .

و في الواقع ان موضوع الاستشفاء ببول الابل يعد نموذجا صارخا لصناعة الجهل في مصر شارك في صناعته  اصحاب المال و الاعمال من العائدين من دول الخليج ، و دعاة علم مزيفون، وشعب غارق حتى أذنيه في مزابل الأمية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق