استوقفني عنوان هذا الكتاب كثيرا عندما انتقيته للقراءة منذ أسبوعين حيث ذكرني بحالة الذعر التي احسستها عند ميلاد ابنتي نتيجة إحساسي بالمسؤلية التي تلقى على كاهلي لأول مرة . نعم الذعر من مسؤلية تربية طفل ، ولن ابالغ اذا قلت الإحساس بالصدمة. ولقدصدر هذاالكتاب - و هو من تأليف الصحفيين المرموقين في النيورك تايمز و النيوزويك Pro Bronson و Ashely Meryman ، في طبعته الاولى و البالغة ٣٦٦ ورقة في سبتمبر ٢٠٠٩، و لقد احتل قائمة النيويورك تايمز لاعلى الكتب مبيعا لمده ٦ اشهر متتالية، و اثار جدلا كبيرا بسبب النتائج غير التقليدية التي طرحها .
يلقي الكتاب الضوء على نتائج التجارب العلمية التي اجريت لاختبار عدد من الأفكار و الاّراء القديمة الخاصة بنمو الطفل والتعليم، بدءا من اكتساب اللغة إلى الكذب وقياس الذكاء لبرامج الموهوبين انتقالا لوضع استراتيجيات لتسوية الصراعات بين الأطفال، وتأثير المدح والنوم على نموهم، و لقد اتسم كل فصل من فصول الكتاب العشرة بنمط واحد في العرض، يبدأ بوصف الرأي القديم ثم تقديم الأبحاث التي تم القيام بها، و عرض نتائجها و ما تكشفه من وقائع مخالفة ، ثم طرح منهجا اكثر نجاحا . و فيما يلي اهم النتائج التي خلص اليها الكتاب.
١-الإشادة المستمرة بذكاءأطفالك تؤدي الى نتائج عكسية وفِي النهاية تقوض ثقتهم بأنفسهم . و من الأفضل الاشادة بالجهد الذي يبذله الطفل للوصول الى نتيجة معينة،وفي الحقيقة ان التركيز في المدح على الذكاء ( وهي صفة خارج سيطرة الطفل) يجعل الطفل يستهين بفروضه و يبذل فيها قدرا محدودا من الجهد فلا يحصل على النتيجة المرغوبة ،فيشعر ان ذلك إهانة لذكائه ، و يتحجج عندئذ بالمرض او غباء المدرس . و في النهاية يتجنب الدخول في الاختبارات و المهام التي تعتمد على بذل مجهود كبير خوفا من تعريض احترامه لذاته للاهانة ، و هكذا تجد الطفل - و هو ذكي فعلا - قد تتدهور مستواه . و العلاج الامثل هو الثناء على الجهد الذي يبذل في المهمة او الامتحان و الاشادة بالوقت المستهلك في الاعداد للاختبار و المهام ، و عندئذ يكتسب الفرد تقديره لذاته من قدر الجهد تأذي يبذله ، و عند تراجع أداءه يعرف ان الحل أمامه هو بذل مزيدا من الجهد.
٢-لتعزيز اداء طفلك الدراسي و تحسين درجاته على الآباء ان يحرصوا على حصول ابنائهم على كفايتهم من النوم ، و الضغط على المدارس لتأخير يومها الدراسي ساعة.
٣-يولد الأطفال ولديهم استعداد لتقسيم الناس حسب خصلة واحدة ( سمين رفيع ، اسود ابيض ، و هكذا)، ولذلك عدم مناقشة هذه الموضوعات مع الطفل من الصغر تحت حجة ان هذا يخلق لديه اتجاهات عنصرية او طائفية لن يؤدي الى النتائج المرغوب فيها ، بل عليك مناقشتهم و تعريفهم ان هذه فروق هامشية و ان ما يجمعنا شيء اكبر.
٤- الأطفال كذابون بالطبيعة، لكنهم يكذبون غالبا في محاولة لإرضاء الكبار. وإذا أنكر الطفل انه فعل شيئا خاطئا، فإنه يفعل ذلك املا في أن لا يخيب ظن الكبار فيه . و يحتاج الأطفال الى تعلم أن الحقيقة نفسها هي الشيء الوحيد الذي يسعد الوالدان سماعها.
٥- ٧٣٪ من نتائج اختبارات برامج الأطفال الموهوبين في الولايات المتحدة خاطئة و يجب إعادتها بشكل متكرر لوضع الطفل في البرنامج السليم.
٦-وجود أخ لا يكسب الطفل مهارات اجتماعية أفضل.بل ان الصداقة و تنوع الأصدقاء هي التي تعلم الأطفال كيفية التفاعل بإيجابية مع أشقائهم. و ربما يلزم تعليم الأطفال مهارات استباقية لكيفية التعاون و التفاعل مع الأخوة لتحسين العلاقة بين الإخوة .
٧-وجود صراع معتدل مع الأهل في فترة المراهقة يرتبط بمحاولة المراهقين التكيف مع المرحلة الجديدة ، وهو افضل من غياب الصراع مطلقا او و جود صراع مفرط و متكرر. و احسن اُسلوب للتعامل مع المراهق في هذه الفترة هو قيام الآباء بوضع عدد من القواعد القليلة الواضحة ، فاذا اظهر المراهق اعتراضا على احداها فيجب اعطاءه الفرصة كاملا و الاستماع الى رأيه كاملا ، و اذا أبدى حججا قويا يمكن إظهار قدر من المرونة و اعادة النظر في هذه القاعدة و لو بتغيير طفيف.
٨-بعض الآباء يلجأون لإخفاء خلافاتهم او خناقتهم مع أزواجهم بعيدا عن الأطفال ، و لكن من المستحسن تعريض الأطفال لقدر منها خاصة تلك التي يتم فيها معالجتها و حلها بشكل بناء وفيه إيجابي .. يجب ان يعرف الطفل ان هناك خلافات و في نفس الوقت يدرك الاسلوب الامثل لحلها .
٩- يكتسب الأطفال اللغة من تدريب الكبار لهم خاصة اكثر من شخص ، و لا يجب الاعتماد على برامج التلفزيون او التطبيقات الرقمية المتخصصة.
و الخلاصة فان هذا الكتاب لم يصدمني كثيرا في نتائجه حيث قام بإعداده اثنان من الصحفيين و ليس من الباحثين في علم النفس فجاء نقلهم للتجارب كأنها بنود اخبارية اسقطت عنها قدر من التفاصيل ،و لكنني أعجبت كثيرا بالنتيجة (١) ، و (٦) و ( ٨)، و انصح بقراءته لكل محبي علم النفس مثلي و الذين يتابعون بإعجاب مسيرة علم النفس التجريبي و تحسن قدرته على تفسير السلوك الإنساني .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق