في البداية ، يجب الإقرار بان حملات التبرعات و الاعمال الخيرية هي اعمال يحكمها العلم ، و ليست حفلة زار او مولد و فرح العمدة . علم الاقتصاد السلوكي بوجه خاص يقدم خدمات جليلة في هذا المجال ، و بريطانيا لها تجربة رائدة يمكننا التعلم منها.
كما تقوم شركات صناديق التبرعات و الاعمال الخيرية في العالم بتوظيف خبير يسمونه مهندس اختيارات Choice architect ، و مهمته العمل على حث الناس على التوجه نحو اختيارات محددة . يعني صندوق " تحيا مصر " يحتاج الى موظف مثل هؤلاء ..
بدون الدخول في تعقيدات و كلام كبير ، سأحاول ان الخص هنا بعض النصائح البسيطة من هذا العلم لمن يسمع :
١- اشكر الناس اللي اتبرعوا و اللي حيتبرعوا ، لا تصرخ في وجوههم او تلموهم على عدم تبرعهم بالشكل الكافي ، او تشعرهم انهم اقل وطنية من مؤسسة اخرى قدمت تبرعات اكثر . كلنا و طنيون يا كبير !!!
يمكنك القول على سبيل المثال " انا مقدر جدا كم التضحيات و الاعباء التي يتحملها و يتحملها هذا الشعب ، و قناعتي و ثقتي في عظمته و قدرته على العطاء تجعلنا ننتظر المزيد" . كلمة حنان و ليس " من انتم!!!!!!" .
٢- في مبدأ في علم النفس اسمه " the identifiable victim concept " و ده معناه ان الناس تميل للتأثر بالحوادث الفردية اكثر من كوارث يموت فيها ملايين ، يعني خبر موت " محمد " جارك يكون في المعتاد اكثر تأثيرا عليك من خبر مقتل ٥ مليون واحد في المذابح العرقية في رواندا ..
و في مقولة دايما ينسبوها لستالين الزعيم الروسي المخيف تقول " مقتل شخص واحد قد يكون ماساة اما مقتل مليون فليس الا رقم احصائي . و يبرهن علماء النفس على ذلك بحكاية مشهورة في أمريكا عن طفلة اسمها " جيسكا" وقعت في بئر اثرت معاناتها على الناس و مشاعرهم اكتر من موت اكتر من مليون شخص نتيجة كارثة طبيعية حدثت آنذاك و لم اذكرها . و لذلك اسمي العلماء هذا " اثر الطفلة جيسكا".
يعني هذا ان التبرعات لاهداف مطلقة مجردة اقل تأثيرا على عواطف الناس من التبرعات المحددة و الأكثر تعيينا .. اي ان التبرعات " لمصر" و هي فكرة مجردة - على الرغم من دغدغة العواطف هنا - اثرها اقل من حملة اكثر تحديدا و ملموسة بشكل اكبر .
مثلا يمكن طرح حملة لعلاج ٥٠٠٠ شخص من فيروس سي في محافظة القليوبيه في عام ٢٠١٦ ، تبدا بمائة شخص في كفر " المساكين " في شمال المحافظة ، مع إظهار نماذج محددة -لحم و دم - يتعاطف معها الناس . لعلنا نتعلم من حملة مستشفى القلب للدكتور مجدي يعقوب ، و الطفلة الجميلة التي ألهبت مشاعر المصريين و مزقت قلوبهم -- للاسف لا اذكر اسمها الان - و التي كانت تقول " انا عايزة أعيش" .
٣- ضرورة ان يشعر الناس ان تبرعاتهم تفرق ، هذا من خلال عدة اليات مثلا ، فكرة العداد الذي يظهر على شاشات القنوات الذي يتابع معدل تزايد المبالغ ، و الحالات التي تم البدء في علاجها ... متابعة يومية تشعر الشخص المتبرع ان ما فعله له قيمة ..لا تجعل التبرعات بئر ليس له قرار . معرفة الناس و مشاركتهم امر ضروري .
الخلاصة العلم ينفعك في كل شيء يا زعيم حتى في الاستفادة الأكثر من المشاعر الوطنية ، الحكاية مش منبر و ميكرفون فقط!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق