الأربعاء، 25 مايو 2016

غسيل العقول و "ازاي تخلي اي اعلان يلزق ؟"


يمكن لأي طالب في قسم التسويق ان يلخص لك الأسباب التي  عند اتباعها " يعلق " الإعلان في اذهان الناس ، او يلزق كما يسمونه بالانجليزية making it sticky ، على النحو التالي:

١- تكرار  عرض  الإعلان ليل نهار .
٢-إغراق وسائل الإعلام - بطريقة تجعل حتى البرامج ، على سبيل المثال، التي تعرض أثنائها - مجرد خلفية للإعلان بينما يحتل هو الصدارة.
٣- يرافق الإعلان و يدخل في مكوناته عناصر من الكوميديا او الفكاهة ، او النساء الحسناوات ،  أو اي متحدث من  المشاهير سواء ممثلين او مغنيين او لاعبي الكرة او الخبراء الاستراتيجيين اصحاب الكلام " المجعلص او اللي يخض" .
٥- تطوير خمسة أو ستة إصدارات مختلفة من نفس الإعلان  لقياس الأكثر اثرا منهم  .
٦- فلوس كتير
و في الحقيقة لا تقتصر هذه الأساليب على صناعة فن الإعلان  فقط ، و لكنها تنطبق ايضا على عمليات تغييب و غسل العقول ، وزراعة الأفكار الغريبة و اللوذعية في عقول الناس .

 و بمتابعة المشهد الإعلامي المصري خاصة منذ ثورة يناير " اليتيمة" نجد صانع الاعلام في مصر اتبع نفس هذه القواعد البسيطة السابقة مع تغييرات طريفة في بث رسالته الإعلامية في عقول الناس و نجح في " لزق" تصوره المعوج  و المضلل عن " الصواب و الخطأ"  في عقول أناس لم نكن نحسب في يوم من الأيام انهم كالأنعام بل هم أضل .

و اذا كانت بعض مواقع السوشيال ميديا، قد ساهمت في هذا التضليل ، فإنني ، و قد يختلف معي كثيرون ، ارى ان السوشيال ميديا قد نجحت في مواجهة " احادية الفكر" و " الرأي العام الواحد" لما تتمتع به من حرية التعبير ، بل و قد نجحت السوشيال ميديا فعلا في مواجهة صانع الاعلام او " الإعلان " في المحروسة.

الاثنين، 23 مايو 2016

" اثر الطفلة جيسكا" : لو عايز تعمل حملة تبرعات صح المفروض تعمل ايه ؟


في البداية ، يجب الإقرار بان حملات التبرعات و الاعمال الخيرية هي اعمال  يحكمها  العلم ، و ليست حفلة زار او  مولد و فرح العمدة . علم الاقتصاد السلوكي بوجه خاص يقدم خدمات جليلة في هذا المجال ، و بريطانيا لها تجربة رائدة  يمكننا التعلم منها. 
كما تقوم شركات صناديق التبرعات و الاعمال الخيرية في العالم  بتوظيف خبير  يسمونه مهندس اختيارات Choice architect ، و مهمته العمل على حث الناس على التوجه نحو اختيارات محددة . يعني صندوق " تحيا مصر " يحتاج الى موظف مثل هؤلاء ..

بدون الدخول في تعقيدات و كلام كبير ، سأحاول ان الخص هنا بعض النصائح البسيطة من هذا العلم لمن يسمع : 
١- اشكر الناس اللي اتبرعوا و اللي حيتبرعوا ، لا تصرخ في وجوههم  او تلموهم على عدم تبرعهم بالشكل الكافي ، او تشعرهم انهم اقل وطنية من مؤسسة اخرى قدمت تبرعات اكثر . كلنا و طنيون يا كبير !!!
يمكنك القول على سبيل المثال " انا مقدر جدا كم التضحيات و الاعباء التي يتحملها و يتحملها هذا الشعب ، و قناعتي و ثقتي في عظمته و قدرته على العطاء تجعلنا ننتظر المزيد"  . كلمة حنان و ليس " من انتم!!!!!!" .

٢-  في مبدأ في علم النفس اسمه " the identifiable victim concept " و ده معناه ان الناس تميل للتأثر بالحوادث الفردية اكثر من كوارث يموت فيها ملايين ، يعني خبر موت " محمد "  جارك يكون في المعتاد اكثر تأثيرا عليك من خبر مقتل ٥ مليون واحد في المذابح العرقية في رواندا ..  
و في مقولة دايما ينسبوها لستالين الزعيم الروسي المخيف تقول " مقتل شخص واحد قد يكون ماساة اما مقتل مليون فليس الا رقم  احصائي . و يبرهن علماء النفس على ذلك بحكاية مشهورة في أمريكا عن طفلة اسمها " جيسكا" وقعت في بئر اثرت معاناتها على الناس و مشاعرهم اكتر من موت اكتر من مليون شخص نتيجة كارثة طبيعية حدثت آنذاك و لم اذكرها . و لذلك اسمي العلماء هذا " اثر الطفلة جيسكا". 
يعني هذا ان التبرعات لاهداف مطلقة  مجردة اقل تأثيرا على عواطف الناس من التبرعات المحددة و الأكثر تعيينا .. اي ان التبرعات  " لمصر" و هي فكرة مجردة - على الرغم من دغدغة العواطف هنا - اثرها اقل من حملة اكثر تحديدا و ملموسة بشكل اكبر .

مثلا  يمكن طرح حملة لعلاج ٥٠٠٠ شخص من فيروس سي في محافظة القليوبيه في عام ٢٠١٦ ، تبدا بمائة شخص في كفر " المساكين " في شمال المحافظة ، مع إظهار نماذج محددة -لحم و دم - يتعاطف معها الناس . لعلنا نتعلم من حملة مستشفى القلب للدكتور مجدي يعقوب  ، و الطفلة الجميلة التي ألهبت مشاعر المصريين و مزقت قلوبهم -- للاسف لا اذكر اسمها الان - و التي كانت تقول " انا عايزة أعيش" .

٣- ضرورة ان يشعر الناس ان تبرعاتهم تفرق ، هذا من خلال عدة اليات مثلا ، فكرة العداد الذي يظهر على شاشات القنوات الذي يتابع معدل تزايد المبالغ ، و الحالات التي تم البدء في علاجها ... متابعة يومية تشعر الشخص المتبرع ان ما فعله له قيمة ..لا تجعل التبرعات بئر ليس له قرار . معرفة الناس و مشاركتهم امر ضروري .

الخلاصة العلم ينفعك في كل شيء يا زعيم حتى في الاستفادة الأكثر من المشاعر الوطنية ، الحكاية مش منبر و ميكرفون فقط!!

الاثنين، 9 مايو 2016

قراءة في رواية " قابيل" لسارماجو


فرغت لتوي من قراءة الترجمة الانجليزية لرواية " قايين"  Cain او بالأحرى "قابيل" كما اعتدنا تسميته باللغة العربية للكاتب البرتغالي سارماجو.و على عكس ما ذكرته احدى بناتنا Amira  المثقفات في مراجعتها الشيقة حول هذه الرواية ، فلقد جاءت روايته هذه مخيبة لكل توقعاتي. و بينما امتازت روايات سارماجو مثل  " العمى" و الطوف الحجري Stone raft او " انقطاعات الموت" بالغنى و الابتكار، لم تفتقر فقط  رواية قابيل للأصالة originality بل الى قدرتهاعلى اثارة الفكر و الجدل بذات الدرجة التي احدثتها الاعمال الاخرى له.

قصة " قابيل"  هي اعادة حكاية لقصص العهد القديم ( آدم و حواء و الأنبياء غيرها ) بأسلوب ساخر من "صاحب العهد و شخصياته"  على لسان قابيل قاتل " هابيل" حيث تطرح  الأسئلة التقليدية الخاصة بحكمة و عدالة الاله و علاقته بمخلوقيه. و يرمز قابيل الى الانسان نفسه بحيرته و أخطاءه و عدم قدرته على استيعاب مصيره وقدره.

و لجأ فيها سارماجو الى نفس أسلوبه السردي المعتمد على تقنيات " ما يسمى بتيار الوعي) والذي يلاحظه بشكل اكثر قراء الترجمة الانجليزية  لأعماله مثل غياب حروف الcapital في الأسماء ، عدم و جود نقاط او علامات ترقيم الا بقدر قليل ، تداخل العبارات من شخص لآخر . و يخلق هذا بعض الصعوبات في الحقيقة اثناء القراءة،  لكن سرعان ما تتعود عليها.
و لقد قام العديد من الكتاب العظام بإعادة كتابة العهد القديم قصصيا ،  بداية من ميلتون و توماس مان الى انيتا داميانت ( الخيمة الحمراء)، و كانت أعمالهم على مستوى ادبي و فكري ارقى بكثير ، بل ان سارماجو نفسه في روايته the Gospel According to Jesus Christ وهي اعادة لكتابة العهد الجديد ، كان مثالا للابتكار و اكثر قدرة على اثارة الجدل مقارنة بضعف روايته هذه.

نجيب محفوظ نفسه أديبنا الرائع في اولاد حارتنا قام بحكاية ذات القصة لكن من خلال الحارة و فتواتها، فكان اكثر حرفية في الشكل الفني و اكثر قدرة على طرح الأسئلة المتعلقة بعلاقة الانسان بالخالق.

و اخيرا اذا كنت من محبي سارماجو فسوف تسعد بقراءة قابيل  ، 
و اذا كنت لم تعرفه فأنصحك بتجربة روايات اخرى له اعظم بكثير .