الثلاثاء، 13 سبتمبر 2016

الجنة عند"كورزويل":قراءة في كتاب the Singularity is Near


في يوم لا مهرب منه سوف  يغير الله الارض و من عليها،و يلقى الأشقياء نارا و عذابا،  و يلقى المتقون جنة عرضها السموات و الارض حيث لا مرض و لا شيخوخة و لا جوع و لا فقر ، حيث يعيشون حياة تفاصيلها و كنيتها مغايرة كلية للطبيعة البشرية و لم تخطر قط على قلب بشر. هذا ما أخبرتنا به كتبنا السماوية في حديثها عن يوم " الساعة" ذلك اليوم الفاصل التي تتبدل فيه الدنيا و من عليها.

و جاء (Ray Kurzweil ) العالم  و المخترع الامريكي في كتابه the Singularity is Near:when Human transcends Biology. ( ٢٠٠٥)   ليحدثنا عن يوم " للساعة" اخر اسماه " يوم التفرد الأعظم the singularity ،  تلك " الساعة " التي يؤدي فيها التنامي  السريع "الأُسي " الى إحداث تغيير تاريخي عميق في الحياة البشرية ينقلها الى مرحلة يندمج فيها البشر مع الذكاء الاصطناعي و يذوب فيها الحد الفاصل بين البشري و غير البشري ، و يتخطى الانسان حدود البيولوجيا كما ما نعرفها، و تتدخل  البشرية الى مرحلة تطورية  فارقة  في مسيرة التطور بحيث لا يتبقى من البشرية الا وعيها فقط و يتغير فيها كل ما يشكل الطبيعة البشرية.

ويرى كروزويل ان مسيرة تطور البشرية تمر عبر ٦ حقبات و اننا نقترب بسرعة من الحقبة الخامسة التي ستشهد اندماج التكنولوجيا ( الذكاء الصناعي)الذي خلقه البشر مع الذكاء الإنساني ، و نحن  نتحرك الى  هذه المرحلة بسرعة كبيرة بسبب الثورات العلمية الثلاثة التي تحدث في نفس الوقت تقريبا خلال القرن الواحد و العشرين ، و هي ثورة علم الوراثة و النانوتكنولوجي و علوم الروبوتات. و بعد " قيام ساعة"  كروزويل " سوف  يبزغ فجر عالم جديد لا توجد به حدود فاصلة بين الأنسان و الآلة و بين الواقع " الملموس" و الواقع " الافتراضي"، و يمكننا علاج كل الأمراض و القضاء على الشيخوخة بل و حتى تبديل أجسامنا بحرية و سلاسة.

و قد يعتقد البعض انني هنا اتحدث عن كتاب من كتب الخيال العلمي وهذا غير صحيح ، فهذا الكتاب من الكتب الرصينة في دراسات المستقبليات المدعومة بالكثير من الحسابات و التنبؤات و المليئة بالرسومات البيانية و الجداول الإحصائية و الأمثلة التاريخية الكثيرة . و لقد أسس المؤلف تنبؤاته على فرضية أساسية اسماها بالنمو الأٌسي exponential و نظرية العوائد المتسارعة   ، و التي مفادها بكل بساطة ان وتيرة نمو التكنولوجيا و المعلومات لا تجري بصورة خطية linear كما نتصور - حيث لا يمثل المستقبل الا مجرد صورة متقدمة للحاضر - و لكنهما يتزايدان بمعدل أسي تبني فيها كل مرحلة نفسها على نتائج المرحلة الاولى  feedback ، و من ثم يحدث مضاعفة سريعة للنتائج ، و لقد برهن على ذلك بالعديد من الأمثلة في صناعات الحاسب.

و في الواقع هناك انتقادات كثيرة توجه الى آراء "راي"خاصة بالنسبة للنمو الأسي حيث تبدأمراحل النمو في التكنولوجيا بسرعة آسية و لكنها تعاود للانخفاض و البطء بشدة بسبب ضعف الموارد الاقتصادية. و لو كانت نظرية " راي" صحيحة لكنا الان - بعد هبوط الانسان على القمر في الستينيات - نرى مستعمرات سكنية على القمر و رحلات فضائية لا تتوقف  ، و لكن هذا لم يحدث بسبب أساسي هو الموارد.

مع هذا فان هذا كتاب جميل يقف في منطقة سماوية بين الخيال العلمي و العلمي بملء قلبك بالتفاؤل في مستقبل البشرية ، و يمثل استثناءا مبهجا في ظل النعيق المتزايد بخراب الارض و من عليها. و انني انصح بقراءته فهو كتاب سلس لطيف  و يمكنك التجاهل لكثير من التفاصيل و تخيل انك سوبرمان بنعمة العلم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق