الأحد، 9 أكتوبر 2016

قراءة في كتاب The Science of Fear لدانيال جاردنر

دعوني اعترف لكم انه قبل قراءتي لهذا الكتاب،  كنت احسب ان خوف الناس من أمور لا وجود لها و استهانتهم بمخاطر محدقة من حولهم يرجع برمته الى انتشار الجهل و العلوم الزائفة بين الناس. لم أكن اعرف ابدا ان الخوف و سوء تقدير المخاطر يرجع بجزء كبير منه لتطور الانسان و كيفية تشكيل عقله عبر  العصور. 

وكان هذا النوع من الخوف  هو موضوع كتاب The Science of Fear : why we fear what we shouldn't   للصحفي الكندي دان جاردنر ، و الذي نشر في عام ٢٠٠٨ بهذا الاسم في الولايات المتحدة ، و باسم Risk: The Science and Politics of Fear في انجلترا و كندا و الذي يبلغ  عدد صفحاته ٣٠٤ صفحة و ١٢ فصل، و يمكن تقسيمه الى جزئين.

الجزء الاول : يجمع الكاتب كافة الأدلة و التجارب النفسية التي تشير الى ان العقل ينقسم إلى منظومتين متمايزتين  يُمليان علينا الكيفية التي نُفكر بها ونتخذ القرارات .الأولى سريعة، حدسية، تفاعلية، عاطفية و غريزية و اسماها جاردنر ( البطن guts ) ؛ والآخرى بطيئة، و منهجيّة، ومنطقية و اسماها جاردنر الرأس ( head ) . ويعمل العقل وفقاً لتفاعل دقيق ومُعقَّد بين المنظومتين، في شدٍّ وجذب يشكلان قدراتنا و عيوبنا الذهنية. و تعمل المنظومة الاولى ( البطن) وفقا لعدة قواعد حدسية استدلالية  Heuristics  يعتمد عليها الفرد لتقييم احتمالات معينة أو التنبؤ بأوضاع معينة فى ظل محدوديه معلوماته حولها، بينما تعتمد المنظومة الثانية ( الرأس) على المنطق و التفكير التجريدي الا انه يتسم بالكسل و يكتفي  بالقواعد الحدسية السريعة التي توفرها المنظومة الاولى عند  اتخاذ القرارات.

أوضح الكاتب أن مصدر الخوف يكمن في  المنظومة الاولى ( البطن) و التي تشكلت عبر مراحل التطور البشري التي نقشت في عقله اليات سريعة للتعامل مع مخاطر حقيقة مثل الاعداء و الوحوش الضارية المحيطة به و التي لا يملك الانسان معها رفاهية التدبر و الاختبار من صحة ما يراه او يشعر به ؟ و ذلك  في  المرحلة التاريخية المعروفة بمرحلة الصيد وجمع الثمار  .  و تمثل هذه المرحلة لو وزعنا مراحل تطور الانسان على كتاب نحو ٢٠٠ صفحة ، و مرحلة الزراعة صفحة واحدة، اما المرحلة  الحديثة   و حتى الان فتمثل فقرة واحدة في هذا الكتاب . و يوضح هذا جليا عظم اثر تلك المرحلة (إنسان  الكهف ) على تفكير الانسان .

الجزء الثاني : عمل المؤلف على بيان مدى الخطأ و المبالغات في مخاوفنا الحالية من ارهاب و تلوث بيئي  و جرائم مبينا انه بفحص الأرقام و الإحصاءات بدقة نتبين مدى صغر حجم هذه المخاطر. و ضرب جاردنر مثلا بعمليات استخدام السليكون في تكبير حجم الثدي و التي جرى منعها بسبب حالة من الذعر سادت أوساط النساء و الأطباء ايضا دون دليل قوي من تجربة او إحصاءات دقيقة.و أوضح جاردنر ايضا  دور رجال السياسة و الشركات و الاعلام في استغلال منظومة البطن guts و العيوب و المغالطات الفكرية التي نقع فيها من جراء الارتكاز على أساليب هذه المنظومة ، حيث يقومون بتضخيم المخاطر لتحقيق أهداف سياسية و نقدية.
و  يمكننا تلخيص نتائج الكتاب فيما يلي :
(١)عالمنا في الوقت الحالي متخم بالمعلومات ، و لكننا عند اتخاذنا للقرارات نقع في الكثير من المغالطات حَيْث لازال  تعاملنا مع العالم  يعتمد على المشاعر و العواطف و الذكريات التي ورثناها من الاف السنوات ( البطن)  بينما لازالت منظومة الراس head تتمتع بكسلها المعتاد ويابى  بذل جهد كبير لتعديل ما تقدمه "البطن " لنا ..
(٢) ضغوط الوقت تقلل من قدرة منظومة الراس على تعديل احكام "البطن"  ، كما ان  اعتياد المخاطر يقلل من حجمها.
(٣) لا تستطيع منظومة  " البطن" التعامل مع الأرقام و لا تستوعب فكرة العشوائية ، و لقد  علمنا التطور ان نعطي الاولوية للأدلة اللفظية ( الخبرية ) و ليس الأرقام او الإحصاءات لان خيالنا يمكنه معالجتها في صورة تتشابه مع أشياء اختبرناها سابقا. 
(٤) ثقافتنا تسوق للخوف حيث يتم استخدامه كأحد الأساليب المحفزة في الاقتصاد و السياسة و الترويج للأجندات الاجتماعية و وسائل الاعلام).
(٥)يتمتع الانسان في هذا الزمان  بأطول عمر و افضل صحة و اكثر غنى عن كل فترات حياته السابقة و ان الكثير من المخاوف و المخاطر التي تواجهه ليست بنفس الحجم التطور يتصورها ، و لا يعني هذا انكار المخاطر التي يواجهها الانسان في حياتته المعاصرة لكنه  يستدعي منا إعطاء  الاولوية لمخاطر حقيقية مثل مرض السكر و السمنة و أمراض القلب.

و ختاما اوصي بقراءة هذا الكتاب لأسلوبه السلس الجميل و عرضه العلمي المبسط ، و انت كنت أعيبه عليه ذلك الجزء الذي تحدث فيه بإسهاب عن فترة حكم جورج بوش و هجومه الشديد عليه. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق