دعوني اعترف لكم انه قبل قراءتي لهذا الكتاب، كنت احسب ان خوف الناس من أمور لا وجود لها و استهانتهم بمخاطر محدقة من حولهم يرجع برمته الى انتشار الجهل و العلوم الزائفة بين الناس. لم أكن اعرف ابدا ان الخوف و سوء تقدير المخاطر يرجع بجزء كبير منه لتطور الانسان و كيفية تشكيل عقله عبر العصور.
وكان هذا النوع من الخوف هو موضوع كتاب The Science of Fear : why we fear what we shouldn't للصحفي الكندي دان جاردنر ، و الذي نشر في عام ٢٠٠٨ بهذا الاسم في الولايات المتحدة ، و باسم Risk: The Science and Politics of Fear في انجلترا و كندا و الذي يبلغ عدد صفحاته ٣٠٤ صفحة و ١٢ فصل، و يمكن تقسيمه الى جزئين.
الجزء الاول : يجمع الكاتب كافة الأدلة و التجارب النفسية التي تشير الى ان العقل ينقسم إلى منظومتين متمايزتين يُمليان علينا الكيفية التي نُفكر بها ونتخذ القرارات .الأولى سريعة، حدسية، تفاعلية، عاطفية و غريزية و اسماها جاردنر ( البطن guts ) ؛ والآخرى بطيئة، و منهجيّة، ومنطقية و اسماها جاردنر الرأس ( head ) . ويعمل العقل وفقاً لتفاعل دقيق ومُعقَّد بين المنظومتين، في شدٍّ وجذب يشكلان قدراتنا و عيوبنا الذهنية. و تعمل المنظومة الاولى ( البطن) وفقا لعدة قواعد حدسية استدلالية Heuristics يعتمد عليها الفرد لتقييم احتمالات معينة أو التنبؤ بأوضاع معينة فى ظل محدوديه معلوماته حولها، بينما تعتمد المنظومة الثانية ( الرأس) على المنطق و التفكير التجريدي الا انه يتسم بالكسل و يكتفي بالقواعد الحدسية السريعة التي توفرها المنظومة الاولى عند اتخاذ القرارات.
أوضح الكاتب أن مصدر الخوف يكمن في المنظومة الاولى ( البطن) و التي تشكلت عبر مراحل التطور البشري التي نقشت في عقله اليات سريعة للتعامل مع مخاطر حقيقة مثل الاعداء و الوحوش الضارية المحيطة به و التي لا يملك الانسان معها رفاهية التدبر و الاختبار من صحة ما يراه او يشعر به ؟ و ذلك في المرحلة التاريخية المعروفة بمرحلة الصيد وجمع الثمار . و تمثل هذه المرحلة لو وزعنا مراحل تطور الانسان على كتاب نحو ٢٠٠ صفحة ، و مرحلة الزراعة صفحة واحدة، اما المرحلة الحديثة و حتى الان فتمثل فقرة واحدة في هذا الكتاب . و يوضح هذا جليا عظم اثر تلك المرحلة (إنسان الكهف ) على تفكير الانسان .
الجزء الثاني : عمل المؤلف على بيان مدى الخطأ و المبالغات في مخاوفنا الحالية من ارهاب و تلوث بيئي و جرائم مبينا انه بفحص الأرقام و الإحصاءات بدقة نتبين مدى صغر حجم هذه المخاطر. و ضرب جاردنر مثلا بعمليات استخدام السليكون في تكبير حجم الثدي و التي جرى منعها بسبب حالة من الذعر سادت أوساط النساء و الأطباء ايضا دون دليل قوي من تجربة او إحصاءات دقيقة.و أوضح جاردنر ايضا دور رجال السياسة و الشركات و الاعلام في استغلال منظومة البطن guts و العيوب و المغالطات الفكرية التي نقع فيها من جراء الارتكاز على أساليب هذه المنظومة ، حيث يقومون بتضخيم المخاطر لتحقيق أهداف سياسية و نقدية.
و يمكننا تلخيص نتائج الكتاب فيما يلي :
(١)عالمنا في الوقت الحالي متخم بالمعلومات ، و لكننا عند اتخاذنا للقرارات نقع في الكثير من المغالطات حَيْث لازال تعاملنا مع العالم يعتمد على المشاعر و العواطف و الذكريات التي ورثناها من الاف السنوات ( البطن) بينما لازالت منظومة الراس head تتمتع بكسلها المعتاد ويابى بذل جهد كبير لتعديل ما تقدمه "البطن " لنا ..
(٢) ضغوط الوقت تقلل من قدرة منظومة الراس على تعديل احكام "البطن" ، كما ان اعتياد المخاطر يقلل من حجمها.
(٣) لا تستطيع منظومة " البطن" التعامل مع الأرقام و لا تستوعب فكرة العشوائية ، و لقد علمنا التطور ان نعطي الاولوية للأدلة اللفظية ( الخبرية ) و ليس الأرقام او الإحصاءات لان خيالنا يمكنه معالجتها في صورة تتشابه مع أشياء اختبرناها سابقا.
(٤) ثقافتنا تسوق للخوف حيث يتم استخدامه كأحد الأساليب المحفزة في الاقتصاد و السياسة و الترويج للأجندات الاجتماعية و وسائل الاعلام).
(٥)يتمتع الانسان في هذا الزمان بأطول عمر و افضل صحة و اكثر غنى عن كل فترات حياته السابقة و ان الكثير من المخاوف و المخاطر التي تواجهه ليست بنفس الحجم التطور يتصورها ، و لا يعني هذا انكار المخاطر التي يواجهها الانسان في حياتته المعاصرة لكنه يستدعي منا إعطاء الاولوية لمخاطر حقيقية مثل مرض السكر و السمنة و أمراض القلب.
و ختاما اوصي بقراءة هذا الكتاب لأسلوبه السلس الجميل و عرضه العلمي المبسط ، و انت كنت أعيبه عليه ذلك الجزء الذي تحدث فيه بإسهاب عن فترة حكم جورج بوش و هجومه الشديد عليه.
و ختاما اوصي بقراءة هذا الكتاب لأسلوبه السلس الجميل و عرضه العلمي المبسط ، و انت كنت أعيبه عليه ذلك الجزء الذي تحدث فيه بإسهاب عن فترة حكم جورج بوش و هجومه الشديد عليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق